الرواية الأولى: رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {أن رجلاً كان قبلكم رغسه الله مالاً، فقال لبنيه لما حُضر: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيراً قط، فإذا متُ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذرُّوني في يومٍ عاصف، ففعلوا، فجمعه الله عز وجل، فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته}.
هذا الرجل من بني إسرائيل ممن كان قبلنا {رغسه الله مالاً} أي: أعطاه الله مالاً ووسع عليه، وقيل: إن الرواية الصحيحة {رأسه}.
{فقال لبنيه لما حُضر} أي: عندما جاءه الموت وحضره، {أي أبٍ كنتُ لكم؟} يسأل أبناءه فيقول لهم: يا أبنائي! كيف كانت أبوتي ومعاملتي لكم؟ {قالوا: خير أب}، وأبوهم يريد بذلك أن يستوثق منهم، فكأنه يقول: مقابل إحساني إليكم وتربيتي لكم وأبوتي الحانية عليكم ... إلخ؛ أريد منكم أن تنقذوني من عذاب الله {قال: فإني لم أعمل خيراً قط}، ولا يلزم من كونه لم يعمل خيراً قط، أن يكون تاركاً لجميع الفرائض مرتكباً لجميع المحرمات، لكن قد يقال: إنه قالها هضماً للنفس، واعترافاً بالتقصير، فهذا الرجل لا ريب أنه من أهل التوحيد، وإلا لما استحق رحمة الله سبحانه وتعالى، فإن الكفار ملعونون مطرودون من رحمة الله، لكن هذا الرجل لم يعمل خيراً قط، ومعناه كما جاء في بعض الروايات: أنه أسرف على نفسه في المعاصي، وفرط في حق الله؛ تركاً للواجبات، وارتكاباً للمحظورات، فقال: {فإذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في يوم عاصف} واليوم العاصف هو الذي تكون الريح فيه شديدة، فهو يريد منهم أن يذروه كما في قوله تعالى: ((تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ))[الكهف:45]، بمعنى: أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يطحنوه، ثم يذروه في يوم عاصف، فتذهب به الريح في كل مكان، {ففعلوا، فجمعه الله عز وجل، فقال: ما حملك؟}، أي: ما الذي دفعك إلى ذلك؟ وما الذي حملك على ما صنعت؟ وما سبب الإقدام على هذا الفعل؟ {قال: مخافتك، فتلقاه برحمته}.